مراجعة وتحليل فيلم محطم الثلج || snowpiercer 2013
========================
كنت كتبت من فتره عن واحد من أفضل أفلام السنة دى و هو الفيلم الكورى Parasite و اتكلمت عن مخرجه العبقرى "بونج چون هو" و عن رؤيته و أسلوبه الرائعين فى شغله و قلت لازم أكمل مشاهدة باقى أفلامه بالتأكيد ، و بالصدفة لما شفت له بعدها فيلم Snowpiercer اللى لايقل روعة عن Parasite و اللى يعتبر أول فيلم يعمله باللغة الإنجليزية لقيت ناس كتير عندى بتتكلم عنه , غالبا بسبب حلقة اليوتيوبر عبد الله الشريف الأخيرة ، فقلت وجب بقى مابدهاش و مش هلاقى اختيار أحسن من كده المرة دى ..
الفيلم بصراحة من أفضل أفلام الخيال العلمى و الديستوبيا اللى شفتها الفترة الأخيرة و معمول باحترافية و إتقان و بمزاج عالى و مليان أفكار و معانى و إسقاطات على الواقع فى محلها تماماً فعلاً ..
حسب قصة الفيلم سنة 2014 اتفقت عدة دول كبرى على إطلاق غاز أو مادة كيميائية حديثة فى الجو فى جميع أنحاء العالم فى تجربة خاصة لمواجهة ظاهرة الاحتباس الحرارى اللى تفاقمت جدا ، لكن للأسف التجربة مش بس فشلت دى تسببت فى تجمد الكوكب كله و الدخول فى عصر جليدى جديد و انقرضت صور الحياة من على الأرض ، ماعدا قلة من البشر كانوا محظوظين و نجوا لأنهم ركبوا قطار كبير خاص اسمه Snowpiercer اخترعه الملياردير العبقرى "ويلفورد" المتخصص فى صناعة النقل و السكك الحديدية و اللى تنبأ بشكل ما بحدوث الكارثة دى و صنع القطار المعجزة دا مخصوص لاختراق الجليد ، و اللى أصبح زى سفينة نوح بيلف العالم كله بدون توقف شايل جواه عدة آلاف من البشر هم كل ما تبقى من البشرية ..
أحداث الفيلم بتبدأ سنة 2031 بعد 17 سنة حياة على القطر ، بنشوف القسم الأخير أو مؤخرة القطر اللى عايش فيها الأغلبية من الفقراء و المهمشين ، عايشين فى بلوكات صغيرة أو براميل مرصوصين فوق بعض و مصدر غذائهم الوحيد اللى بيجيلهم من مقدمة القطار عبارة عن قطعة چيلى من البروتين مايعرفوش انها معمولة أساساً من الصراصير ، و كمان كل فترة بييجى حد من المقدمة ياخد أو يخطف أطفالهم الصغيرين لهدف معين بنعرفه فى آخر الفيلم ..
بنعرف ان فى ثورة بيتم التخطيط و الإعداد ليها بين سكان السبنسة ، و بنعرف ان فى عدة ثورات أو محاولات تمرد حصلت على مدار السنين اللى فاتت لكن كلها فشلت .. المرة دى بطل الفيلم "كيرتيس ايڤريت" هو اللى بيقود الثورة و بيخطط بعناية بإرشاد من معلمه الرجل العجوز الحكيم "جيليام" , و ناوى انه مايكتفيش بالتقدم لكام عربية قدام زى ما عملوا اللى قبله و إنما بيستهدف انه يوصل للمحرك فى المقدمة و يسيطر عليه و بالتالى على القطار .. بتجيله رسائل مخفية داخل الأكل من واحد مخبر فى المقدمة ما نعرفهوش بتمده بالمعلومات و التوصيات ، و بيعرف ان فى خبير أمنى كورى اسمه "نامجونج مينسو" من الطبقة المتوسطة هوا اللى عمل النظام الأمنى للأبواب بين العربات من سنين لكنه حاليا محبوس فى درج داخل عربية السجن لأنه أصبح مدمن لمادة مخدرة اسمها "كرونول" اللى هيا بقت الكيف بتاع العالم ده ..
كيرتيس بنى خطته على النجاح فى عبور المنطقة العازلة بين المؤخرة و باقى القطر و الوصول إلى الخبير الأمنى نامجونج و تحريره عشان يساعده على فتح باقى الأبواب و التقدم للأمام و تحقيق هدفه .. بيوصل كيرتس بالفعل هوا و مجموعة الثوار اللى معاه للخبير المحبوس نامجونج اللى بيحرر بنته الشابة "يونا" كمان من الدرج اللى جنبه و بيبدءوا مع فريق الثوار بقيادة كيرتس فى رحلة مثيرة و فريدة إلى الأمام عبر عربات القطر .. رحلة مليانة بالاكتشافات المبهرة و المفاجآت الصادمة و لحظات الأدرينالين .. رحلة نهايتها فريدة شايفها بتجمع فى نفس الوقت بين الإثارة و الأمل و الخلاص و بين اليأس و الإحباط و الحسرة ..
ميزة الفيلم انه بيجمع ببراعة شديدة بين تيمة الديستوبيا المستقبلية المظلمة و بين رصد و تجسيد الفروق الاجتماعية فى الواقع أو الصراع الثقافى و الطبقى بين شرائح المجتمع و علاقتها ببعضها ، بحيث ان القطر بيمثل العالم أو الحياة أو المجتمع و الناس فيه طبقات و شرائح .. الطبقة الفقيرة أو السبنسة Economy Class و الطبقة المتوسطة المدللة المدجنة المغيبة التابعة للنظام Business Class و الطبقة العليا First Class .. و النظام موضح الفرق دا للطبقة الفقيرة كويس أوى و بشكل كبير بيعبر عنه مشهد بتلقى فيه الوزيرة "ميسون" خطاب على الفقراء أثناء عقاب واحد منهم ، بتفكرهم بفضل ويلفورد العظيم الرحيم عليهم و بكرمه الشديد انه سايبهم عايشين بياكلوا و يشربوا فى القطر بتاعه ، و بتفكرهم ان كل واحد لازم يلزم مكانه اللى بينتمى ليه و الدور المقدر له و إلا القطر (النظام) هايقف و يتدمر .. بتقوللهم احنا القبعة على الرأس و انتم الحذاء فى الرجل و بالتأكيد ما ينفعش الحذاء يتلبس فى الرأس ، فخليكم زى الجزم فى مكانكم الطبيعى و إلا هاتموتوا و نموت كلنا ..
براعة بونج چون هو بتبان فى الاهتمام بأدق التفاصيل فى كل عربية بندخلها أو بنمر عليها و فى كل حركة و كلمة للشخصيات فى الفيلم .. الألوان و الإضاءة بالذات كانت من أهم العناصر و الأدوات اللى استغلها و لعب عليها بذكاء شديد وصل من خلالها أفكار و معانى كتير من غير كلام .. بنقضى الفترة الأولى من الفيلم فى مؤخرة القطار بنلاحظ ان مفيش نوافذ خالص و بنحس أوى بضيق المكان و الكربسة و الأجواء بتبقى معتمة قاتمة و الألوان أبيض و أسود بس لدرجة انه لما بتدخل عليهم فجأة واحدة من مقدمة القطار عشان تختار الأطفال و هيا لابسة أصفر مزهزه فاقع بنحس بالفرق الشاسع الرهيب و التناقض الكبير بين العالمين ، و نفس الإحساس و أكتر كمان بنعيشه بمجرد ما بيخرجوا من المؤخرة و يتفتح باب أول عربية بعدها الدنيا بتنور فجأة و بنحس اننا دخلنا عالم تانى خالص .. التفاصيل فى كل عربية مبهرة جدا سواء باستخدام الألوان أو الديكور بتخلى كل عربية وحدة فريدة قائمة بذاتها ، سواء عربيات الأكل و الطبيعة زى عربية الأكواريوم و عربية النباتات و عربية اللحوم ، أو عربيات الخدمات زى العيادة و الخياط و المدرسة و غيرها ، أو عربيات الترفيه زى عربية البار و الكافيه و عربية الديسكو و عربية الساونا و عربية حمام السباحة و هكذا .. و دا بالتأكيد لغى عنصر الملل أو الرتابة من الفيلم تماما و أضاف روعة و إثارة و متعة للرحلة ..
بالنسبة للديستوبيا حسيت الفيلم عامل مزيج رائع .. فكرنى شوية برواية 1984 بتاعة چورچ أورويل و فكرنى شوية برواية Brave New world العظيمة برضو بتاعة ألدوس هكسلى و فكرنى شوية كمان بأفلام عظيمة من النوعية دى زى فيلم Brazil للمخرج تيرى جيليام و لا عجب ان أحد الشخصيات المهمة و المؤثرة فى الفيلم شخصية العجوز جيليام على اسمه ، و أعمال تانية كتير تحس بتواجد أفكارها فى الفيلم لكن منفذها هنا بشكل خاص مختلف غير تقليدى .. هو واخد من كل بستان زهرة لكن ضايف عناصر و أفكار أصلية جديدة و النتيجة حاجة رائعة مختلفة و مثيرة للفكر جدا ، بتتجلى فى كل مرة يتحط فيها كيرتيس فى اختبار أو اختيار صعب بين حاجتين مفيش رجوع بعده ، اختيارات فكرية و أخلاقية و سياسية فى غاية الصعوبة فعلا تخلى دماغنا تلف معاه ..
مشهد المدرسة يعتبر من أكتر المشاهد أهمية و رمزية و تعبيرية فى الفيلم ، بنشوف فيه المدرسة فى الفصل و هيا بتعلم أطفال الطبقة المتوسطة و الغنية و بتغسل عقولهم بالبروباجاندا بتاعة النظام عشان يكبروا تابعين مغيبين و جهلة .. بتكلمهم عن ويلفورد المنقذ العظيم صاحب و حامى المحرك المقدس الأبدى اللى من غيره نتجمد و نموت .. بتكلمهم عن الثورات اللى حصلت قبل كدا و عن مصير اللى قاموا و اشتركوا فيها و بتقوللهم خدوا بالكم دى جاية فى الامتحان ..
بنلاحظ برضو فى الفيلم مصطلح جديد و هو "أطفال القطار" Train Babies اللى هما اتولدوا جوا القطر و مايعرفوش العالم الحقيقى برا كان عامل ازاى و شكله ايه .. دول الجيل الجديد اللى اتولد و اتربى و عاش جوا القطر أو جوا النظام يعنى ..
من أكتر الحاجات اللى لفتت نظرى و شدتنى برضو الفرق أو المقارنة بين قائد الثوار كيرتيس و بين الخبير الأمنى الكورى نامجونج و تفكير أو هدف كل واحد منهم .. كيرتيس من الطبقة الفقيرة السفلى من مؤخرة القطار و بيفكر انه يوصل للمحرك فى المقدمة و يتخلص من الحاكم و اللى حواليه و يسيطر على المحرك و يديره أو يدير القطار يعنى بدماغه بقى .. بيقاتل و يناضل و عايز ثورة و تغيير لكن كل اللى بيعمله ما زال جوا القطار أو جوا حدود و إطار النظام يعنى ..
على الناحية التانية نامجونج كان يعتبر من الطبقة المتوسطة قبل كدا و كان فى معظم الوقت فى الفيلم بيستغل أى فرصة يبص فيها من النافذة و تفكيره كان دايما برا القطار أو برا النظام ، حتى فى مشهد المدرسة بنشوفه واخد بنته على جنب و بيشاورلها من النافذة على حاجات برا القطار و بيديها تعليم حقيقى ينفعها بجد مش زى التعليم الفاسد أو "اللاتعليم" بتاع أبلة عفاف دى ..
و دا بياخدنا لسؤال صعب هنا طبعا يا ترى مين الصح فيهم أو مين البطل الحقيقى هنا؟ ، كيرتيس الواقعى الجاد المخلص لقضيته و هدفه و اللى باصص قدامه على طول ماعندوش ترف انه يبص حواليه ، ولا نامجونج المتأمل الحالم و الهارب من الواقع؟ ..
الفيلم لم يخلو من مشاهد الأكشن المثيرة خاصة المعركة اللى حصلت بين الثوار و الحرس المقنّعين أثناء مرور القطار فى نفق مظلم طويل و الحرس لبسوا نضارات الرؤية الليلية .. مشهد معمول بإتقان شديد خاصة مع ضيق المساحة المفروضة بتاعة عربية القطر اللى كانوا فيها ، بيفكرنى بمشهد القتال الفريد فى الممر الضيق فى رائعة كورية أخرى و هى فيلم Oldboy للمخرج الكورى الرائع "بارك تشان ووك" اللى مشارك أصلا فى الفيلم دا كأحد المنتجين ، و يمكن بونج عامله كدا مخصوص عشانه ..
الفيلم مأخوذ عن سلسلة روايات مصورة "كوميكس" فرنسية اسمها Le Transperceneige ، بونج چون هو كان قرأ نسخة كورية منها و اتأثر بيها جدا و اتواصل مع أصحاب الرواية اللى كذا حد كان عرض عليهم قبل كدا ياخد حق تحويلها لفيلم و رفضوا ، لكن أعجبوا بشغل بونج جدا و شافوا انه هوا اللى يقدر يديها حقها و يترجم الأفكار اللى فيها للشاشة صح ..
أثناء الإعداد اتفاجئ بونج چون هو بالممثل المعروف "كريس إيڤانز" الشهير بدور كابتن أمريكا فى أفلام مارڤيل و اللى سمع عن الفيلم و كان متحمس جدا لأداء شخصية كيرتيس بطل الفيلم ، بونج كان قلقان مش عشان شهرته أو نجوميته و لكن عشان عضلاته و بنيانه الجسمانى القوى اللى ماينفعش مع شخصية عايشة 17 سنة فى الظروف دى على القطر ، لكن وافق و اشتغلوا فعلا و تغلبوا على المشكلة دى باختيار الملابس و بدقنه و الايس كاب اللى كان لابسه معظم وقت الفيلم ، و بصراحة كريس عمل الدور ببراعة شديدة و كان له لحظات درامية مؤثرة جدا و أثبت انه ممثل تقيل فعلا مش منظر على الفاضى .. بجانبه فى كاست الفيلم كان فى أساتذة تقال و معلمين كبار أوى برضو ، على رأسهم المتألقة و المتمكنة صاحبة الأدوار الصعبة غير التقليدية دايما "تيلدا سوينتون" اللى عملت هنا دور الوزيرة "ميسون" ببراعة و مزاج عالى أوى و أداءها يعلم مع أى حد ما يتنسيش أبدا بصراحة و لولا وقت الفيلم كانت الشخصية دى محتاجة مساحة أكبر من كدا كمان عشان نستمتع بيها أكتر ، هما قالوا إنهم استوحوا الشخصية دى إلى حد ما من رئيسة وزراء انجلترا السابقة و الشهيرة مارجريت تاتشر .. كمان العملاق المخضرم "چون هرت" تألق كالعادة فى دور العجوز و الأب الروحى للثورة جيليام .. و المفاجأة الجميلة كانت فى العملاق "ايد هاريس" اللى عمل دور ويلفورد بمزاج و روقان كبير أوى بصراحة .. و طبعا قبلهم الممثل الكورى الرائع "سونج كانج هو" اللى عمل دور الخبير نامجونج و اللى يعتبر قاسم مشترك فى معظم أفلام بونج چون هو .. و باقى الكاست كله كان ممتاز بصراحة ..
بعد انتهاء الفيلم سنة 2013 دخل بونج فى معركة أو نزاع جديد مع صاحب حقوق التوزيع فى أمريكا و انجلترا و عدة دول تانية و هو هارڤى وينستين صاحب نصيب الأسد بعد كدا فى اتهامات و فضائح التحرش فى هوليوود اللى تفجرت فى وشه من سنة أو اتنين تقريبا .. هارڤى وينستين ماكانتش عاجباه النسخة النهائية بتاعة بونج و قال إن الجمهور مش هايستسيغها و مش هايحبها و كان عايز يقطع منها حوالى 20 دقيقة على الأقل عشان يرضى يوزعها و طبعا دا كان يدمر الفيلم تماما و اللى يشوفه هايفهم دا كويس .. فى النهاية بعد شد و جذب وافق وينستين على عرض النسخة بتاعة بونج لكن فى نطاق محدود جدا على عدد قليل جدا من السينمات .. و يمكن دا اللى خلى الفيلم غير معروف لناس كتير عشان للأسف ماخدش حقه كويس فى العرض ..
لكن هوا حاليا واخد تقييم عام 7.1 على IMDB و تقييم نقدى 95% على Rotten Tomatoes .. أثبت كفاءته و حصل على إشادة الجميع و أخد مكانته اللى يستحقها عن جدارة طبعا و أثبت ان الفن الحقيقى الجميل بيفرض نفسه فى النهاية مهما حصل.