- تعليقاً على مؤتمر رئيس الوزراء حول الأزمة الاقتصادية
**خلينا نبص حوالينا.. كيف تمت الإصلاحات الهيكلية في جنوب شرق آسيا؟**
- خلال المؤتمر الأخير اللي عملته الحكومة لعرض خطة التعامل مع الأزمة الاقتصادية أشار رئيس الوزراء لخطة الإصلاح الهيكلية اللي الحكومة هتبدأ فيها ضمن خطط الإصلاح الاقتصادي.
- مش أول مرة نسمع عن الإصلاحات الهيكلية من الحكومة، سمعنا عنها سابقا في 2019 وسمعنا عنها في 2020 وسمعنا عنها مؤخرا، لكن يبدو المرة دي أنه في نية حقيقية للإصلاح الهيكلي.
- في كلام متكرر من المؤسسات الدولية عن الحاجة لده، وفي كلام من الرئيس والحكومة وخطة للتخارج من قطاعات اقتصادية ضمن إستراتيجية الإصلاح الهيكلي وتقليل أثر مزاحمة المؤسسات التابعة للحكومة والجيش في الاقتصاد.
- خلال البوست ده، هنحاول نفهم إيه هي الإصلاحات الهيكلية اللي بتتكلم عنها الحكومة؟ إيه الواضح لحد دلوقتي من خطط الحكومة في الموضوع؟ وإيه اللي ممكن نستفيده من نموذج قريب مننا عمل إصلاحات هيكلية في الاقتصاد وهو فيتنام؟
- اختيارنا لفيتنام كنموذج مهم، أولا لأنه رئيس الوزراء ذكر في خلال كلامه أنه دول جنوب شرق آسيا تقدمت بالاستثمار في البنية التحتية، وكمان بالنسبة لفيتنام نموذج قريب شوية للحالة المصرية على المستوى السياسي.
- مناقشة كلام الحكومة ورئيس الوزراء عموما من باب إن إحداث إصلاح حقيقي هو الحل الوحيد لرفع المعاناة عن كاهل المواطن المصري، فإحنا بنحاول نناقش ونشوف الحكومة هتعمل إيه عشان نطلع من الأزمة دي، بالتالي النقاش الاقتصادي دا حاليا بيمس كل بيت في مصر مش متعلق بالمتخصصين بس، لذلك هنفضل مكملين معاكم في مناقشة خطة الحكومة.
****
يعني إيه إصلاحات هيكلية؟
- مفيش اتفاق على تعريف واحد للإصلاحات الهيكلية، لكن كل التعريفات من الاقتصاديين أو المؤسسات الاقتصادية الدولية بتركز على 3 أنواع رئيسية من الإصلاح:
إصلاحات تحسن من بيئة الأعمال عن طريق تغييرات في القوانين والعلاقات الرسمية بين المؤسسات الاقتصادية في القطاع الخاص والحكومة.
إصلاحات تدفع النمو الاحتوائي بمعنى النمو القادر على توليد فرص عمل وخفض معدلات البطالة.
إصلاحات مؤسسية هدفها تحسين النفاذ للتمويل بالنسبة للمؤسسات الخاصة وزيادة معدلات استثمار القطاع الخاص.
- ضمن النطاق الواسع للإصلاحات الهيكلية دي بتطلع أهداف ثانية مهمة للإصلاح زي رفع الإنتاجية في القطاعات المختلفة، دفع الاقتصاد أكثر نحو النمو المستدام بمعنى النمو اللي لا يؤثر على البيئة والموارد على المدى الطويل، دفع الاقتصاد لخلق نمو فيه قدر من عدالة التوزيع.
- ده يخلينا نسأل هل ممكن نعتبر خطة الحكومة الحالية للإصلاحات الهيكلية جيدة؟ بالطبع أه، على الورق كل شيء تقريبا تمام فيما عدا التركيز على تخارج الحكومة من عدد من القطاعات.
- في حاجات برضه غائبة في موضوع الإصلاحات الهيكلية زي إصلاح التعليم وإصلاحات في القطاع الصحي والإصلاحات المؤسسية.
- لكن في النهاية اللي يهم الناس مش الكلام النظري اللي مكتوب على الورق، لأن نظريا الحكومة دخلت برنامج إصلاح اقتصادي لكن نتائجه كانت شديدة السوء على المواطنين وبعد كده بدأت مطالب إن الناس تستحمل، لذلك وجب مراجعة الكلام اللي على الورق دائما قبل التنفيذ عشان مندخلش في دوامة جديدة.
الواضح من خطة الحكومة في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية لحد دلوقتي هي مجموعة إجراءات:
1- تعزيز استثمارات القطاع الخاص من طرح عدد من المشاريع للمشاركة مع القطاع الخاص.
2- التخارج من عدد من القطاعات الاقتصادية عبر تسييل أصول أو طرح شركات في البورصة.
3- تحسين مناخ الاستثمار وتقليل العقبات أمام تأسيس الشركات.
4- الاستمرار بشكل ما في الاستثمار في البنية التحتية لأنه الحكومة شايفة أنه ده العامل الرئيسي في جذب الاستثمارات الأجنبية.
****
إيه اللي حصل في فيتنام؟
- طبعا تجارب التنمية والإصلاح الاقتصادي في جنوب شرق آسيا مش كلها واحد، في مسارات مختلفة لكل دولة فيهم وفي تفاصيل كثيرة مختلفة وسياقات سياسية مختلفة، يعني كوريا الجنوبية مثلا رسخت إصلاح اقتصادي في عهد الجنرال بارك الدكتاتور وبعدين تحولت نحو الديمقراطية.
- في دول حصل عملت إصلاح في ظل الديمقراطية زي ماليزيا، وفي دول عملت الإصلاح في ظل ديمقراطية نص نص زي الفلبين وتايوان.
- وفي دول نجحت في الإصلاح في ظل نظام شمولي زي الصين وفيتنام وإندونيسيا. بالتالي السياقات مختلفة جدا من ناحية البنية السياسية وبالتأكيد علاقات القوة والفاعلين في الاقتصاد.
- لكن في حاجات كثيرة مشتركة بين كل تجارب الإصلاح دي، أبرزها هو الاهتمام بالتعليم وخفض معدلات الفقر والإنفاق المكثف على تحديث وتطوير التكنولوجيا الصناعية المستوردة من أوروبا والولايات المتحدة في فترات السبعينات والثمانينات.
- خلينا نفهم القصة من الأول، بعد نهاية الحرب الأمريكية على فيتنام في السبعينات، وعملية توحيد البلد تحت سلطة الحزب الشيوعي ، كانت فيتنام بلد فقير جدا، الناتج المحلي لفيتنام في 1984 وقتها كان في حدود 18 مليار دولار، نصيب الفرد من الناتج المحلي وقتها كان لا يتخطي 200 دولار.
- في 1986 بدأت خطة إصلاح اقتصادية إسمها DOI Moi، شملت إصلاحات كثيرة في الاقتصاد في الوقت ده، وتعديلات في قوانين الاستثمار وتعديلات داخل الحزب الشيوعي الحاكم وأجندة اقتصادية للاندماج في الأسواق العالمية.
- المهم في الخطة دي أنها بدأت بإصلاح الزراعة، وتفكيك المزارع الجماعية الموروثة من الحقبة الشيوعية، وده ببساطة لأنه كان ولا يزال جزء كبير من سكان فيتنام عايشين في الريف.
- الظرف العالمي بالطبع وقتها ساعد فيتنام، واللي بدأت خطة إصلاحها مع بدايات العولمة وبحث الشركات الأمريكية والأوروبية عن بديل للعمالة الرخيصة، وبالتالي تدفقت الاستثمارات الأجنبية بعد تذليل العقبات أمامها وخاصة من الدول المتقدمة.
- خلال الـ30 سنة اللي فاتوا استثمرت فيتنام بكثافة في رأس المال البشري، من خلال الإنفاق على التعليم والصحة، وعملت إصلاح حقيقي للتعليم الفني بيخليها دلوقتي من أكثر القوى العاملة مهارة على مستوى العالم في قطاعات كبيرة. وبيخلي شركات عالمية زي سامسونج وغيرها تنتج في فيتنام بشكل كبير.
- إصلاح التعليم بدأ مع خطة الإصلاح وزيادة الإنفاق على التعليم تدريجيا ليصبح حوالي 4.5 % من الناتج المحلي، وده خلى معدلات الالتحاق بالمدارس تزيد مع التعليم المجاني، والأهم أنه رفع من كفاءة نظام التعليم ككل.
- دلوقتي طلاب فيتنام من أفضل 10 دول على مستوى العالم في الامتحانات الدولية للعلوم والرياضيات، وخطط الإصلاح دي مستمرة لحد دلوقتي مع زيادة الإنفاق في السنوات الأخيرة عشان يبقي حوالي 20 % من المصروفات العامة كل سنة.
- في نفس الوقت اللي كان بيحصل فيه الإصلاحات الاقتصادية، والاستثمار المكثف في البنية التحتية في فيتنام كان بيحصل إصلاحات مهمة تدعم من وضع سوق العمل ورأس المال البشري لأنه ده عامل مهم في جذب الاستثمارات الأجنبية وتنشيط الاستثمار المحلي في قطاعات الصناعة.
- ده خلى فيتنام تقلل معدلات الفقر من حوالي 70% في الثمانينات لـ6% حاليا، وخلت سوق العمل بتاعها، وهو سوق عمل ضخم يعني في خلال الـ 30 سنة اللي فاتوا قادر على خلق وظائف جديدة كل سنة تقدر بحوالي مليون وظيفة سنويا خلال العقد اللي فات.
****
نشوف إيه من دا كله؟
- الشاهد في قصة التنمية في فيتنام هو أنه الإصلاحات الهيكلية، والإصلاحات الاقتصادية بشكل عام هي مسارات متوازية لازم تحصل مع بعضها.
- مينفعش يكون عندنا ضعف في الإنفاق على التعليم ومشكلات كبيرة في التعليم الفني، ومشكلات في الإنفاق على الصحة، ومشكلات في معدل استثمار القطاع الخاص، ومشكلات تتعلق بالحوكمة والمؤسسات وغيرها ونقول إحنا هنحل مشكلة مشكلة.
- ده منطق قاصر جدا لأنه الاقتصاد هو مكنة واحدة كل ترس فيها بيسمع في بقية المكنة، بالتالي الكلام بتاع الإنفاق على البنية التحتية هو اللي هيجيب استثمارات أجنبية ويعمل نمو ده كلام غير حقيقي لوحده كده.
- لأنه الإنفاق على البنية التحتية فقط بدون إصلاح بقية المشكلات مش هينتج نمو، لو عندك أفضل طرق في العالم ولسه القوى العاملة بتاعتك مش ماهرة محدش هيجي يصنع عندك أي حاجة، والاستثمار المحلي حتى في الصناعة هيعاني من صعوبات كبيرة.
- وهنا محدش بينكر الطفرة اللي حصلت في البنية التحتية على مدار سنين، ودا مش محل الخلاف، النقاش هنا حوالين نتائج دا في صورة الاقتصاد الكلية وفي الوضع الاقتصادي اليومي للمصريين، ودا اللي بنحاول نوضحه.
- جزء مهم تاني في تجربة فيتنام، واللي بالمناسبة عندها مشاكلها برضه عادي هو إزاي يتم خلق نمو احتوائي لقوة العمل ينتج كل سنة وظائف قادرة على استيعاب الزيادة السكانية، بدون الحديث كل شوية عن الزيادة السكانية كمشكلة وفقط.
- مساحة فيتنام هي ثلث مساحة مصر تقريبا، وعدد سكانها حوالي 98.5 مليون نسمة، تقريبا قريب من عدد السكان في مصر، لكن مستويات التشغيل والكفاءة الاقتصادية مختلفة تماما، بسبب أنه الإصلاحات الهيكلية اللي اتعملت في الاقتصاد أنتجت نمو احتوائي للسكان دول ومع الوقت ده قلل معدلات الفقر في البلد.
- الاستثمار في رأس المال البشري هو أهم مكونات أي إصلاح اقتصادي حقيقي، وهو اللي بيضمن أنه مع الوقت والنمو الاقتصادي المستمر تنتج طبقة وسطى أكبر وتستهلك أكثر وقدرة الاقتصاد على الإنتاج تزيد مع الوقت.
- نتمنى فعلا أننا نبص على تجارب التنمية اللي حصلت في دول كثير في العالم بشكل شامل، مش نقول زي سيادة الوزير كامل الوزير أنه ألمانيا تقدمت من بعد الحرب العالمية الثانية بالإنفاق على البنية التحتية، ناهيك عن مشكلة الطرح ده في بلد كانت مدمرة بالفعل في الحرب، بالتالي طبيعي يتم الاستثمار بكثافة في إعادة الإعمار.
- نتمنى نشوف التجارب الناجحة عملت ايه ووقعت في أخطاء إيه ونحاول نفهم ونفكر بعيدا عن اللحظة الحالية والإنجاز الشخصي للرئيس ونفكر في البلد لـ10 و20 و50 سنة لقدام ويكون عندنا خطط اقتصادية حقيقية للإصلاح مش مجرد إصلاحات شكلية ووعود بإصلاحات أفضل وحديث مستمر عن الإنجازات بينما المواطن المصري بيعاني من سوء الوضع الاقتصادي.
***
البوست الأول رداً على مؤتمر رئيس الوزراء مصطفى مدبولي حول الأزمة الاقتصادية:
**هل كان في بديل لبعض المشروعات القومية في السنين اللي فاتت؟ نقاش موضوعي**
*****
#الموقف_المصري
#دردش_مع_العيلة