مراجعة وتحليل فيلم الجوكر || Joker

جوكر JOKER

================
Joker Cover

 "لقد برهنت على أنه لا يوجد فرق بينى و بين أى أحد آخر .. كل ما يتطلبه الأمر هو يوم واحد سئ , هذا هو مقدار بعد العالم عنى , فقط يوم واحد سئ" ..

شخصية الجوكر شخصية فريدة و غامضة و لها مكانة خاصة جدا كواحد من أعظم الأشرار فى عالم الكوميكس .. هو العدو اللدود لباتمان و اللى بيمثل النص التانى المكمل له دايما , و اللى على عكس معظم الأشرار و المجرمين التانيين مش بيقتل أو يرتكب جرايم عشان المال أو السيطرة على العالم و لكن عشان المتعة الشخصية و عشقه اللانهائى للفوضى و عشان يغيظ باتمان و يستمر معاه فى أشهر و أطول و أغرب عداوة فى تاريخ الكوميكس ..

ساهم فى تخليد شخصية الجوكر فى أذهان الناس ظهورها فى السينما فى أدوار ماتتنسيش على يد نجوم كبار زى جاك نيكلسون فى نسخة تيم بيرتون و زى هيث ليدجر العبقرى اللى علّى السقف و صعّب المهمة تماما من بعده بدوره الأيقونى فى نسخة كريستوفر نولان , و عشان كدا لما تم الإعلان عن قرب صدور نسخة جديدة مستقلة Standalone بطولة مطلقة للجوكر فقط من إخراج "تود فيليبس" صاحب ثلاثية أفلام The Hangover الكوميدية الشهيرة و من بطولة الممثل المتميز المتألق فى الأدوار الصعبة و المركبة دايما "واكين فينيكس" كان فى حالة من الترقب و التحفز الشديد ممزوجة بحالة من التشاؤم و الخوف من تكرار تجربة جوكر جاريد ليتو الأخيرة اللى كان حظها سئ و فشلت تماما للأسف , و بالتأكيد كانت المهمة صعبة جدا و التحدى كبير جدا قدام تود فيليبس و واكين فينيكس ..

لكن لما شفنا الفيلم أخيرا تأكدنا إنهم نجحوا فى التحدى دا بجدارة و تخطوا كل التوقعات كمان , و قدمولنا واحدة من أروع قصص البداية أو الظهور أو ال Origin Stories يعنى اللى اتعملت لأى شخصية فى تاريخ الكوميكس , و واحدة من أعمق دراسات الشخصيات Character Studies اللى شفتها .. و بميزانية مرصودة متواضعة جدا بالمقارنة بأى فيلم تانى ل DC أو بأى فيلم من النوعية دى و من غير أى شغل جرافيكس أو CGI يذكر أو أى مؤثرات بصرية مبهرة قدر تود فيليبس انه يقدم لنا لوحة فنية رائعة و وجبة سينمائية دسمة معمولة على الهادى بمزاج , و واحد من أفضل أفلام الكوميكس و فى نفس الوقت واحد من أفضل أفلام الدراما اللى اتعملت و بالتأكيد واحد من أفضل أفلام السنة ..

سر غموض شخصية الجوكر ان ماحدش عارف أصله أو فصله بالظبط ولا ازاى اتحول من شخص عادى و بقى كدا ولا اسمه الحقيقى حتى , أو مفيش Origin Story رسمية معتمدة له يعنى .. لكن فى القصة الكوميكس الخاصة The killing Joke للعبقرى آلان مور (صاحب الكوميكس الأصلى بتاع V for Vendetta و Watchmen و The League of Extraordinary Gentlemen و غيرها) اللى أخدت منها الاقتباس اللى فوق خالص ده و اللى استوحى منها تود فيليبس بعض العناصر الأساسية فى السيناريو بتاعه بنشوف مقتطفات أو لمحات من قصة محتملة لحياة الجوكر السابقة كإنسان عادى جدا و ازاى اتجنن و أصبح الجوكر , لكن فى نفس القصة برضو بنشوف الجوكر فى أحد الحوارات بيقول لو كان عندى ماضى فأنا أفضّل انه يكون متعدد الخيارات , و دا اللى اعتمد عليه تود فيليبس و خلاه أخد راحته أوى فى انه يقدم قصة بداية محتملة برضو كتنويع على قصة آلان مور لكن بواقعية أكتر و سوداوية أكتر , قدر يوصل من خلالها النقد و الأفكار و المعانى و الرسائل الاجتماعية و السياسية الهامة بتاعته ببراعة شديدة ..

"هل هذا هو إحساسى الشخصى فقط أم أن الوضع يزداد جنونا بالخارج" ..

الفيلم بتدور أحداثه فى بداية التمانينات فى مدينة جوثام اللى تود فيليبس خلاها قطعة من نيويورك فى أسوأ حالاتها .. الفساد السياسى و الانحلال و الانحطاط الأخلاقى هما السائدين و المسيطرين على الأجواء و الغنى بيزداد غنى و الفقير بيزداد فقر .. عمال النظافة عاملين إضراب و الزبالة بقت منتشرة فى كل مكان (تقريبا مفيش أى مشهد خارجى فى الفيلم إلا و الزبالة قاسم مشترك و مكون أساسى فيه و مع تصاعد الأحداث أكتر بتزيد و ترتفع أكوام الزبالة أكتر و أكتر) , و الفيران أعدادها زادت و اتنغنغت و كبرت و بقت رعب حقيقى لدرجة ان بقى فى فيران كبيرة جدا فى الحجم سموها Super Rats .. مدينة جوثام غرقانة حتى النخاع فى القذارة بمعنى الكلمة , حرفيا و مجازا , و الناس على آخرهم مش طايقين بعض و الوضع على وشك الانفجار ..

و فى وسط دا كله بنتعرف على صاحبنا "أرثر فليك" الغلبان اللى الدنيا بتحط عليه من كل ناحية و اللى بيشتغل مهرج أو بلياتشو فى إحدى وكالات الدعاية و الترفيه فى المدينة .. وحيد و عايش مع أمه الكبيرة المريضة "بينى فليك" اللى مسمياه سعيد Happy و دايما بتقول له يبتسم و بتقول له انه مخلوق عشان ينشر السعادة و الضحك فى العالم .. هما الاتنين بيحبوا يتفرجوا كل يوم على برنامج التوك شو الكوميدى الشهير بتاع الإعلامى و الكوميديان الكبير "موراى فرانكلين" (روبرت دى نيرو) اللى أرثر بيعتبره مثله الأعلى و نفسه يبقى ستاند أب كوميديان ناجح زيه لكن بيفتقر إلى الموهبة و القبول عند الناس بشدة ..

أرثر مريض نفسى أصلا بيتعالج على نفقة الدولة و بيزور اخصائية اجتماعية نفسية باستمرار عشان يقدر يصرف الأدوية النفسية الكتير اللى بياخدها عشان يقدر يتعامل مع العالم و الناس , و كمان عنده حالة نادرة من الضحك اللا إرادى Uncontrollable Laughter بتجيله نوبة ضحك فجأة غصب عنه لما بيتوتر أو يتحط فى موقف صعب أو محرج , و لما بيحاول يمسك نفسه أو يمنع الضحكة بيتخنق من زوره و الوضع بيزداد سوء , يعنى بيضحك و هوا بيتألم أو بيضحك و هوا عايز يبكى .. و دا بيسبب له مشاكل كتير إما بيخلى الناس تتجنبه و تبتعد عنه و تاخد انطباع عنه انه مسخ غريب الأطوار , و إما بيخليه عرضة للتنمر و الضرب و الإيذاء بسهولة فى أى موقف , فضلا عن ان فى ناس واطية كتير أصلا مش هاتسيبه فى حاله و هاتتنمر عليه لمجرد انه شغال واقف بلبس المهرج اللى بيساعد على نزع صفة الإنسانية منه و بيخليه هدف سهل جدا , زى ما بنشوف فى أول الفيلم لما مجموعة من الشباب شافوه واقف شغال قدام محل بيعمل له دعاية و ماسك يافطة خطفوها منه و جريوا و لما جرى وراهم حاصروه و كسروا اليافطة على دماغه و ضربوه علقة موت و هما فى غاية الاستمتاع .. اليافطة دى كان مكتوب عليها Everything Must Go و تقريبا دا الشعار الرئيسى فى الفيلم "كله رايح" ..

"أسوأ ما فى أن يكون عندك مرض عقلى هو أن الناس يتوقعون منك أن تتصرف كما لو كنت سليما" ..

هوا عايز يحس بأى شئ من الحب أو التقدير أو الاهتمام أو حتى مجرد الاعتراف بوجوده من الناس اللى حواليه .. بيدور على القدوة و المثل الأعلى و الأب الروحى فى شخصية موراى فرانكلين الإعلامى المحبوب , و بيدور على الأب الحقيقى اللى هيرعاه هو و أمه و يساعدهم فى شخصية توماس وين - أبو الطفل بروس وين اللى هايكبر و يبقى باتمان - رجل الأعمال الغنى و السياسى المرشح لمنصب عمدة أو حاكم المدينة و اللى أم أرثر كانت شغالة معاه من حوالى 30 سنة و دلوقتى بيتجاهل رسائلها , و بيدور على الحبيبة أو الزوجة و شريكة الحياة فى شخصية صوفى جارته السنجل ماذر اللى ساكنة فى الشقة اللى جنبهم فى نفس العمارة , و بيدور على الصحوبية و الجدعنة و وقفة الرجالة فى شخصيات زمايله فى الشغل .. عايز يحس انه موجود و بيحاول يتأقلم مع العالم و يبقى جزء منه لكن دايما بيتقابل بالخذلان أو التجاهل أو الرفض أو النبذ و الطرد , حتى الدولة أو حكومة جوثام يعنى قررت فجأة انها تقفل كل مراكز الرعاية النفسية المجانية اللى كان بيتردد عليها أرثر و وقفت صرف العلاج بتاعه , و دا فى حد ذاته كان ضربة قاصمة و كارثة خطيرة على أرثر و بالتالى على المجتمع كله ..

"إنهم لا يعيرون أى اهتمام لك يا أرثر .. فى الحقيقة هم لا يعيرون أى اهتمام لأمثالى أيضا" ..

فى يوم واحد تقريبا بيتراكم على أرثر كوكتيل مركز من المصايب و المآسى دى بالإضافة إلى انه بينطرد من شغله و الدنيا بتسود فى عينيه و بيفقد الأمل فى الحياة .. بينزل يركب مترو الأنفاق عشان يروح و هوا لسه بلبس الشغل بتاع المهرج و فى العربية اللى هوا فيها بيدخل 3 شباب من بتوع وول ستريت شغالين فى شركة توماس وين و واضح انهم كانوا فى حفلة و راجعين سكرانين و ضايعين , و بيبدءوا يعاكسوا و يتحرشوا ببنت شابة كانت قاعدة لوحدها قصادهم فى العربية و الناحية التانية قاعد أرثر فالبنت بتبصله زى ما تكون بتستنجد بيه .. أرثر اتوتر من الموقف الصعب المفاجئ المحرج اللى اتحط فيه و دخل فى نوبة ضحك هيستيرى لا إرادى كانت كفيلة بصرف أنظار الشباب عن البنت و تحول انتباههم لأرثر اللى اتوتر أكتر فزاد الضحك أكتر و أكتر , و كما هو متوقع طبعا بدءوا حفلة جديدة من التنمر و السخرية على أرثر تطورت للإيذاء و الضرب الشديد .. أرثر ماحسش بنفسه إلا و هوا بيطلع المسدس فجأة و بيضرب التلاتة بالنار بيموتهم , و دى كانت أول مرة فى حياته يحس إنه موجود ..

مش بس كدا دا كمان مع انتشار الخبر بتاع الحادثة و تصدر عناوين الأخبار اللى بتتكلم عن القاتل المقنّع أو المهرج المجهول اللى قتل التلاتة المتحرشين الأغنياء ولاد الناس الكويسين اللى شغالين مع توماس وين و بعد تعليق توماس وين العنصرى كمان على الحادثة أصبح المهرج فكرة أو رمز و نواة لحركة احتجاجية أناركية كبيرة ضد الأغنياء و المسئولين , و الناس بقت ماشية فى كل حتة لابسة قناع المهرج على غرار قناع جاى فوكس الشهير .. أصبح هو الشرارة اللى كانت الناس فى جوثام مستنياها عشان تنفجر ..

طوال حياتى لم أكن أعرف أنى موجود حقا , لكن الآن أعرف , و الناس لتوّهم قد بدءوا يلاحظون" ..

تود فيليبس بيتناول فى الفيلم بأسلوب حاد و قاسى الصراعات و المشاكل الطبقية و العنصرية فى المجتمع بالإضافة للعديد من المشاكل الاجتماعية و السياسية التانية , و بيحذر من المرض النفسى أو العقلى و من خطورة عدم احتواؤه الشديدة على المجتمع , من خلال التجسيد المظلم السوداوى ده لراجل بيعانى فى مدينة ظالمة فاسدة و قذرة بتتجاهله و بتضيق عليه حياته و بتحرمه من أبسط حقوقه , و المشكلة ان الراجل دا مريض نفسى و بيشوف العالم من منظوره الخاص و برؤيته الفريدة و المزعجة و المرعبة فى نفس الوقت , و المشكلة كمان ان المريض النفسى دا بيحاول من كل قلبه انه يبسط الناس و ينشر الضحكة و السعادة لكن بيلاقى الناس مش متقبلينه و بيتعاملوا معاه بجحود أو سخرية و تنمر أو إيذاء بدنى حقيقى ..

"على ماذا ستحصل عندما تجمع بين شخص منعزل وحيد معتل عقليا و مجتمع يهجره و يخذله و يعامله كالحثالة؟ ستحصل على ماتستحق" ..

الفيلم ممكن يتصنف انه Anti-comic أو Anti-hero و كلام تود فيليبس فى بعض اللقاءات بيدعم دا , و واضح انه قاصد انه يشقلب أو يغير بعض المعانى و المفاهيم المعتادة أو المسلم بها فى قصص الكوميكس أو السوبر هيرو , عن البطل و عن الخير و الشر و العدالة و عن دور المجتمع , و طول الوقت بيتحدى و بيطرح أسئلة من نوعية ماذا لو؟ , ماذا لو حصل كذا بدل كذا و ماذا لو الشخص دا اللى احنا فاكرينه كذا طلع كذا .. زى مثلا الصورة المختلفة اللى بيقدمها عن توماس وين , بدل رجل الأعمال الطيب اللى عايز يساعد الناس و يسخر ثروته فى خدمتهم بنشوفه رأسمالى طبقى عنصرى و سياسى مخادع بيدى وعود انتخابية كاذبة فارغة و هوا فى الحقيقة غير مهتم بالفقراء و المحتاجين ..

و لازم هنا نقول انه واضح جدا تأثر تود فيليبس بفيلمين بالتحديد من أفلام مارتن سكورسيزى فى بناء و عرض شخصية الجوكر فى الفيلم , فيلم Taxi Driver بشخصية ترافيس بيكل الأيقونية كواحد سائق تاكسى ليلى منعزل وحيد مش عارف يتأقلم مع العالم و بيشهد كل يوم الفساد و الانحلال و الانحطاط فى مدينة نيويورك فى السبعينات , و فيلم The King of Comedy بشخصية روبرت بابكين الرجل الوحيد اللى عايش مع أمه و بيحلم يبقى ستاند اب كوميديان و بيتابع بهوس شديد أحد نجوم الإعلام المحبوبين و المشهورين و صاحب أكبر برنامج توك شو كوميدى و نفسه يديله فرصته و يطلعه معاه فى البرنامج .. و دى مش أول مرة أشوفه بيعملها لأنه فى فيلمه السابق War Dogs حسيت انه متأثر بفيلم Goodfellas بتاع مارتن سكورسيزى برضو .. و دا مش عيب طبعا طالما من واحد عبقرى و عظيم زى سكورسيزى و طالما العمل ككل طالع فى النهاية حاجة مستقلة ببصمتك الخاصة ..

و الجميل ان روبرت دى نيرو هوا اللى عامل الشخصيتين الرئيسيتين فى الفيلمين دول و هوا برضو اللى عامل شخصية موراى فرانكلين فى الفيلم , و دا كان كاستنج موفق جدا و عبقرى ربط الشخصية فى ذهنى بسهولة و سلاسة لدرجة انى حسيت ان موراى فرانكلين هو روبرت بابكين ملك الكوميديا بعد ما كبر و اشتهر ..

"هل رأيت مؤخرا كيف يبدو الحال بالخارج يا موراى؟ هل غادرت الاستديو الخاص بك أبدا؟" ..

الأجمل طبعا هو الكاستنج بتاع واكين فينيكس اللى مفيش كلام يوصف مدى روعة و عبقرية أداؤه و تقمصه للشخصية و استعداده الرهيب للدور سواء بفقد حوالى 25 كيلو من وزنه مخصوص أو بمذاكرة الحالة النفسية و الفيديوهات الحقيقية للمرضى و إتقانها بالشكل اللى شفناه .. استخدم كل أدوات الشخصية ببراعة شديدة و بمزاج عالى , التمثيل من ورا قناع أو ماكياج المهرج معظم الوقت و الحركة و طريقة الكلام و طريقة الجرى و الرقصات الخاصة فى المشاهد المحورية الفاصلة , بالإضافة للضحكة اللى من أهم سمات شخصية الجوكر و أنواعها المختلفة اللى واكين أبدع فى تقديمها سواء الضحكة المرضية اللاإرادية و الاختناق المصاحب لها , أو الضحكة المصطنعة اللى بيضحكها عشان يحاول يجارى الناس و يبان طبيعى وسطهم زى مابنشوف فى مشهد فى أحد النوادى الليلية و هوا قاعد بيسمع فقرة ستاند اب كوميدى وسط الناس و مش عارف يحدد ايه الكلام اللى المفروض يضحك أو امتى يضحك و امتى يسكت فكان دايما توقيته خاطئ فى الضحك و شاذ عكس الناس اللى قاعدة كلها , أو الضحكة الوحيدة الطبيعية اللى ضحكها من قلبه و اللى بنشوفها بس فى آخر مشهد فى الفيلم , و بالتأكيد واكين استحق عن جدارة كل الترشيحات و الجوايز اللى أخدها عن الدور دا و اللى لسه هياخدها كمان .. الخبر الطريف و الجميل اللى أثار عاصفة من الجنون و الانبهار بواكين من كام يوم على صفحات الأخبار و السوشيال ميديا انه نزل شارك فى مظاهرة عشان تغير المناخ و خطب فى الناس هناك و اتقبض عليه , و كأنه لسه عايش فى شخصيته فى الفيلم مش قادر يتخلص منها ..

اللى استحقت برضو عن جدارة كل الترشيحات و الجوائز اللى أخدتها و اللى لسه هتاخدها أكيد هى الملحنة الموسيقية الايسلندية الجميلة "هيلدور جوثنادورتير" اللى عملت الموسيقى العظيمة للفيلم و أول واحدة ست تفوز بجائزة الجولدن جلوب عن أفضل موسيقى تصويرية و كانت اكتشاف جميل جدا بالنسبة لى .. الموسيقى بتاعتها كانت تحفة بتتكون بشكل أساسى من عزف التشيللو الصارخ الحاد الحزين اللى بيزداد حدة و غضب مع تداخل الأوركسترا و بيخلى الواحد يقشعر معاه كدا خصوصا فى المشاهد المحورية و الأيقونية اللى هاتبقى من الكلاسيكيات الحديثة بعد كدا بالتأكيد ..

زى المشهد العظيم لأرثر و هوا بيقوم يقف على كبوت العربية و يرسم ابتسامة الجوكر على وشه بالدم و يلف عشان يحيى الناس , و زى المشهد الفريد لأرثر لما بيقابل بروس وين الولد الصغير و بيمسك بقه بايده من الطرفين و بيفرده عشان يعمل ابتسامة الجوكر , و غيرها من المشاهد اللى ماتتنسيش بسهولة أبدا ..

الفيلم زى ما شفنا كلنا أثار جدل كبير جدا و انقسامات حادة بين النقاد حول محتواه و اتهامات بالتحريض على العنف أو تبريره و اتهامات بدعوته للتعاطف مع شخصية معروفة بالشر و الإجرام زى شخصية الجوكر , خاصة مع حالة المجتمع دلوقتى و فى فترة زى دى كل يوم بنسمع عن حوادث قتل جماعى و عن مختلين عقليا بيرتكبوا جرائم بتروع الرأى العام .. لكن فى الحقيقة أنا ماشفتش الفيلم بالشكل دا خالص , لو هنقارن بأفلام تانية كتير حديثة و قديمة فيها عنف و دم أكتر من كدا بكتير زى Deadpool مثلا كفيلم كوميكس و زى Taxi Driver الكلاسيكية اللى مستوحى منها بعض عناصر الفيلم , و ماحستش انه عايزنى أتعاطف مع الجوكر أو أبرر و أتقبل العنف و خلاص لأن كلنا عارفين انه شخصية كوميكس خيالية و انه مجنون بالفعل مش طبيعى , لكن الاختلاف اللى بيميز الفيلم و اللى يمكن خلى الجدل و الاتهامات دى تطلع هو اللمسة الواقعية و النقد الحقيقى اللى بيقدمه الفيلم للمجتمع القاسى الظالم الغير مهتم , و الرسالة اللى بيوجهها أو التحذير من خطر ترك و إهمال شخصيات زى دى بدون رعاية و احتواء , و كون دا لمس الناس و أثر فيهم بالشكل دا يبقى أكيد حاجة تعلى من قيمة الفيلم و تخليه فى مكانة تانية خالص غير أى فيلم كوميكس تانى عادى , و بالتأكيد حاجة فى صفه تتحسب له مش تتاخد عليه .. هوا أزعج ناس كتير برا بجراءته و صراحته و شجاعته فى طرح محتواه و ضربه فى ثقافة ال Political Correctness أو الكلمة الجديدة المستهلكة دلوقتى ال Woke Culture اللى بتقتضى الوعى و الأخذ بالاعتبار كل القضايا الاجتماعية و العنصرية أو التحسيس يعنى عند طرح أى موضوع عشان ماتزعلش حد منك , و كمان كون أرثر فى الفيلم كان يعتبر من الأقلية المهمشة و البنت صوفى اللى بيحبها سمراء من أصل أفريقى بالإضافة لحاجات تانية فى الفيلم ماخلوش فى حجة منطقية لأى حد عايز يهاجم الفيلم من الناحية دى , أو بمعنى آخر الفيلم مالوش مسكة تمسكه منها و تشاور و تقول أهو , و دا برضو أزعج ناس كتير من المعسكر التانى و خلى ناس أكتر عندهم محتارين مش عارفين يتفاعلوا مع الفيلم ازاى , و هوا فى الحقيقة عايزك تتفاعل معاه بقلبك و احساسك بس من غير الحسابات و الموازنات الفارغة اللى مالهاش لزمة دى كلها ..

"أنتم كلكم , النظام الذى يعرف كل شئ , أنتم تقررون ما الصواب و ما الخطأ بنفس الطريقة التى تقررون بها ما المضحك و ما الذى لا يضحك" ..

من الحاجات اللى بتخلى الفيلم فى مكانة تانية برضو غير أى فيلم كوميكس تانى إنه متعدد الطبقات multi-layered و مش سطحى على الإطلاق و مش بالبساطة اللى ممكن يبدو عليها خالص , و كل ما تقشر طبقة أو تخلصها تلاقى تحتها طبقة تانية و هكذا لحد ما كله يروح Everything Must Go .. ساعد على كدا ان الراوى أو الشخصية اللى بنشوف كل حاجة من منظورها طول الوقت اللى هو أرثر فليك يعنى هو أصلا مريض عقلى غير موثوق فيه أو لا يعتمد عليه كمصداقية فى رواية الأحداث , و دا بيسموه Unreliable Narrator , فبتيجى عند لحظة معينة تلاقى الخط الفاصل بين الحقيقة و الخيال اتمسح مابقاش موجود , و اللى انت كنت بانى عليه حاجة معينة اتنسف و تكتشف حاجة جديدة و هكذا , و دا ادى أبعاد جديدة و مثير للفيلم بالتأكيد ..

و لو ناخد بالنا الفيلم اسمه جوكر مش الجوكر , و أعتقد ان دا مقصود عشان هو مش بس بيتكلم عن الجوكر شخصية الكوميكس المعروفة أو عن أرثرفليك بس , و إنما عايز يتكلم كمان عن الجوكر اللى جوا كل واحد فينا و يطلعه و يخليه يتفاعل مع الفيلم و مع أحداثه حسب منظوره الخاص و حسب تفسيره الشخصى ..

الفيلم أول ما نزل من حوالى 3 شهور تقريبا كانت فى فجوة كبيرة بين التقييم العام للجمهور على IMDB اللى كان 9.1 تقريبا و بين التقييم النقدى زى بتاع Rotten Tomatoes مثلا اللى كان 44% تقريبا , و دا يدل على حالة الانقسام و الاتهامات و الهجوم اللى اتكلمنا عنها , لكن بعد شوية بالتدريج حصل بعض التقارب و التوازن و بقى حاليا تقييمه 8.6 على IMDB و تقييمه النقدى 69% على Rotten Tomatoes , بعد ما الفيلم خد فرصته أكتر و اتشاف تانى و اتهضم كويس بدون أى تأثر سواء بتطبيل المعجبين المهاويس أو بهجوم المنتقدين و الكارهين , و عشان كدا أنا عن نفسى ماكنتش حابب أعلق أو أتكلم عن الفيلم وقتها و فضّلت أكتب عنه براحتى بعدين , و أنصح أى حد يشوفه بقلبه و يفسره بدماغه هوا لوحده من غير ما يتأثر بكلام أى حد تانى لأن دا هدف الناس اللى عاملينه أصلا.
مشاركات أقدم المقال التالي
لا يوجد تعليقات
أضف تعليق
عنوان التعليق