مراجعة وتحليل فيلم إنها حياة رائعة || IT'S A WONDERFUL LIFE
إنها حياة رائعة IT'S A WONDERFUL LIFE
=============================
كلنا اتربينا أو اتعودنا من صغرنا فى الفترة دى من السنة ، فترة أعياد رأس السنة و بداية عام ميلادى جديد ، على مشاهدة أفلام Home Alone الممتعة اللى كانت الاختيار الرئيسى للعرض فى التليفزيون فى اليومين دول و أصبحت من زمان مرتبطة فى أذهاننا و ذكرياتنا بالفترة دى .. لكن لما كبرت اكتشفت التحفة السينمائية الخالدة "إنها حياة رائعة" It's a Wonderful Life للمخرج الكبير "فرانك كابرا" و بطولة الفنان العظيم "چيمس ستيوارت" ، اللى ماكانتش بتتعرض علينا كتير للأسف و مش كلنا نعرفها لكنها عند ملايين الأسر و العائلات فى أمريكا و فى مختلف أنحاء العالم كمان تعتبر مشاهدتها أحد أهم الطقوس و العادات الاحتفالية الرئيسية فى اليومين دول ، و اللى مليانة مشاعر إنسانية جميلة صادقة و قيم و مبادئ و رسائل تربوية و اجتماعية عظيمة ، بالإضافة إلى جرعة كبيرة من المتعة و البهجة و التفاؤل و الأمل و الصبر كافية انها تشحن الواحد مننا طول السنة و تخليه يقدّر قيمة النعم الكتير اللى عنده و يحمد ربنا عليها ..
القصة بسيطة جدا لكن مؤثرة و بتمس القلب فى الصميم ، عن واحد اسمه "چورچ بيلى" ضحى بأحلامه و طموحاته الشخصية فى سبيل إسعاد الناس اللى حواليه و أفنى سنين عمره و زهرة شبابه فى فعل الخير و فى خدمة و مساعدة أهله و أهل بلده قرية بدفورد فولز الصغيرة ، لكنه عند نقطة معينة و فى ليلة عيد الميلاد انكسر و يأس و فقد الأمل مابقاش قادر يستحمل أكتر من كدا خلاص و بيفكر انه ينتحر معتقد انه كدا هيستريح و يريح أقرب الناس ليه ..
الفيلم بيبدأ على أصوات دعاء كتير مختلفة فى ليلة عيد الميلاد "يا رب ساعد أبى چورچ بيلى ، يا رب ساعد زوجى چورچ بيلى ، يا رب ساعد ابنى چورچ بيلى ، يا رب ساعد صديقى چورچ بيلى ، يا رب ساعد السيد چورچ بيلى ...." ، و بتظهر صورة رمزية لسماء قرية بدفورد فولز المليئة بالنجوم و فيها مجموعة هالات من الضوء بتتكلم و بتتناقش فى مصير چورچ بيلى ، و استجابةً لدعوات أهل چورچ و كل اللى بيحبوه بيقرروا إرسال ملاك من الدرجة التانية اسمه كلارينس لمساعدة چورچ على وعد انه يترقى و يحصل على جناحيه لو أنجز المهمة بنجاح .. أثناء استعداد كلارينس للمهمة بنذاكر معاه و بنسترجع شريط حياة چورچ عن طريق الفلاش باك و بنقف عند أهم المحطات و المواقف المصيرية اللى مر بيها و اللى أثرت فى حياته و حياة الناس اللى حواليه ..
نشوفه و هو ولد صغير لما أنقذ أخوه الأصغر هارى من الغرق فى بحيرة جليد كانوا بيلعبوا عندها و ازاى دا تسبب فى فقده للسمع من ودنه الشمال .. و بنشوفه لما كبر و بقى شاب فى مقتبل العمر بيحلم بدخول الجامعة و التخرج و السفر حول العالم و بحياة الترحال و الاستكشاف ، لكن فى الليلة اللى كان المفروض يسافر بعدها بيتفاجئ بوفاة والده و بيضطر يقعد عشان يمسك مكانه فى إدارة بنك التعمير و القروض اللى كان أنشأه والده لمساعدة أهل القرية فى الحصول على مساكن محترمة يعيشوا فيها بأقل التكاليف و أفضل التسهيلات ، و اللى كان العقبة الوحيدة فى طريق المليونير العجوز البخيل و الجشع "هنرى بوتر" اللى كان عايز يسيطر على القرية كلها ، چورچ اضطر يتخلى عن خططه و أحلامه الشخصية و يقعد , خاصة لما أعضاء مجلس الإدارة اشترطوا وجوده فى إدارة البنك مكان أبوه و إلا هايضطروا يستسلموا لضغط و رغبة العجوز بوتر فى حل المؤسسة عشان الناس بعد كدا تزحف إليه هو بس و تبقى تحت رحمته ..
بنشوفه لما اتجوز البنت اللى بيحبها و كان محوش مبلغ عشان يسافروا يقضوا شهر العسل بره لكن فى يوم الزفاف و السفر بيتفاجئ و هو ماشى باندلاع أزمة مالية كبيرة فى السوق و الناس واقفة طوابير على البنك عايزة تاخد فلوسها و مفيش فلوس جوه ، فبيدخل يحل المشكلة و مراته الجدعة الأصيلة بتطلع الفلوس بتاعة شهر العسل و بيوزعوها على الناس يمشوا حالهم لحد ما الأزمة تعدى و بتتحل المشكلة بدون الحوجة لبوتر اللى كان عايز يستغل الأزمة و يصطاد فى المية العكرة ، لكن طبعا السفر بيتلغى و كأن چورچ مكتوب عليه يفضل قاعد محبوس فى مكانه للأبد ..
بنشوفه بيبنى بيوت جديدة محترمة للناس بأقل التكاليف و يخلى الناس يتملكوها بدون ما يكسب أى حاجة منها تقريبا عشان ينقذهم و يخرجهم من العشش و الأكواخ المعفنة بتاعة العجوز بوتر اللى كان بيستغلهم و بيأجرهالهم بس و بأغلى الأسعار كمان .. طول الوقت بيتصدى لهنرى بوتر و بيواجه لوحده كل محاولاته و أحباله و شراكه اللى بيمدها فى كل اتجاه و على أى حد ، و طول الوقت بيرفض عروض و فرص كتير للثراء و التنعم بالحياة على حساب مبادئه أو فى مقابل التخلى عن أهل بلده ..
لكن مع تزايد الأبناء و الأعباء و المسئوليات و زيادة العجز المالى و زيادة المضايقات و الضغوطات من بوتر و خسته و ندالته و مع تراكم المشاكل كلها فى ليلة عيد الميلاد بتسود الدنيا فى وش چورچ و بيفقد إيمانه و بيحس ان كل اللى عمله طول حياته راح ع الفاضى و ان حياته مالهاش أى قيمة و بيتمنى لو ماكانش اتولد أو اتوجد فى الحياة دى خالص من الأساس ..
هنا بيتدخل الملاك كلارينس عشان يساعد چورچ و يقنعه بعدم التفكير فى الانتحار بالشكل ده و يوريه أد ايه حياته كانت لها قيمة عظيمة و تأثير كبير على كل اللى حواليه .. الفكرة الفنتازية العبقرية اللى عملها معاه كلارينس انه خلاه يشوف شكل الحياة و شكل بلده و أهلها لو ماكانش هو موجود أو لو ماكانش اتولد من الأساس زى ما كان بيتمنى عن جهل ، بيشوف ازاى البلد أصبحت اسمها بوترڤيل نسبة إلى العجوز بوتر اللى استولى على كل شئ فيها تماما و ازاى أصبحت مليئة بالكباريهات و بيوت الدعارة و القمار أو أماكن ممارسة الرذيلة و ازاى أهلها بقوا تعساء حياتهم بائسة من غيره ، بيشوف أد ايه حيوات الناس متصلة ببعضها و كل واحد له تأثيره الخاص على الآخرين و له دوره اللى ماحدش غيره يقدر يقوم بيه ، و بيشوف أد ايه أفعال صغيرة عملها فى الماضى كان لها أعظم و أبلغ الأثر على ناس تانية كتير كان سبب مباشر أو غير مباشر فى سعادتهم و انهم يعيشوا حياة كريمة أو فى انهم يفضلوا على قيد الحياة أصلا .. بيحس بقيمة حياته و بنعمة الصحة و الستر و السكن و بنعمة الزوجة الصالحة و الأولاد و بنعمة الأهل و الأصدقاء الأوفياء المخلصين .. بيحس انه فعلا أغنى واحد فى المدينة زى ما بيقول له أخوه فى آخر الفيلم لأن حب الناس هو الغنى و الكنز الحقيقى اللى كلنا محتاجين ندور عليه .. و بيحس بقيمة و معنى رسالة المعايدة اللى بعتهاله كلارينس بيشكره فيها على الجناحين و بيفكره ان مفيش رجل فاشل أبدا طالما عنده أصدقاء حقيقيين ..
الفيلم بيوجه رسالة جميلة لكل واحد بيعمل الخير و بيسعى فى خدمة الناس أو فى توعيتهم و تنوير عقولهم ، لكل واحد قرب ييأس و يفقد الأمل فى التغيير و انصلاح الأحوال ، لكل واحد مش حاسس بالتقدير و العرفان و حاسس ان كل اللى بيعمله مالوش أى لزمة و انه مفيش فايدة ، انهم يستمروا و يكملوا و مايفقدوش الأمل مهما حصل ، انهم يعملوا الصح و الخير دايما حتى لو هايترمى فى البحر .. و بيوجه رسالة لينا كلنا اننا نشكر الناس اللى زى چورچ بيلى و نحسسهم بالتقدير و بأهميتهم فى حياتنا و نشجعهم على الاستمرار و الصمود لأن دول لو يأسوا و عطلوا و ركنوا على جنب يبقى عليه العوض و منه العوض فى المجتمع و فى البلد كلها ..
لما قرأت عن الظروف الصعبة الاستثنائية لانتاج الفيلم و ظهوره للنور و المراحل اللى مر بيها عشان ياخد حقه و مكانته الطبيعية اللى يستحقها دلوقتى حبيته أكتر و كبر فى نظرى و بقى عندى أغلى و أغلى كمان .. البداية كانت بقصة قصيرة كتبها الكاتب "فيليب ڤان دورن" سنة 1939 و فشل فى نشرها فقرر انه يرسلها ككارت معايدة لأصدقائه فى عيد الميلاد تحت عنوان "أعظم هدية" The greatest gift ، معظم اللى تلقوا الهدية تأثروا بيها جدا و كان منهم أحد الوكلاء اللى سعى لتسويقها لشركات الإنتاج لتحويلها لفيلم على الشاشة الكبيرة مباشرة ، و فضلت تتنقل حقوق القصة من ايد لإيد لحد ما وصلت لإيد المخرج الكبير الإيطالى الأصل "فرانك كابرا" اللى اهتم بيها جدا و قرر انه يقدمها و أصرّ على وجود ممثله المفضل "چيمس ستيوارت" فى دور البطولة .. تم التصوير فى سنة 1946 و صدر الفيلم بالفعل و اترشح لخمس جوائز أوسكار لكن للأسف ماحصلش على ولا واحدة منهم ، و المفاجأة انه مانجحش خالص فى السينما وقت عرضه و فرانك كابرا شخصيا خسر فيه أكتر من نص مليون دولار ، بعدها اتشال الفيلم من السينما و اتركن على الرف و اتنسى تماما لمدة حوالى 20 سنة هى فترة حقوق الملكية بتاعته للشركة المنتجة ، و من بعدها أصبح الفيلم متاح مجانا للعرض فى التليفزيون فكانت المحطات بتعرضه للناس كتير فى فترة الستينات و السبعينات خاصة فى رأس السنة و فترة أعياد الميلاد ، و من ساعتها الناس بدأت تشوف الفيلم تانى كأنها بتشوفه لأول مرة و أجيال جديدة بدأت تتعرف عليه و تتأثر بيه و مع الوقت أصبح هو أيقونة عيد الميلاد الأساسية و المحببة لقلوب الملايين اللى ما زالوا لحد دلوقتى كل سنة بيتجمعوا حواليه و يشوفوه و يستمتعوا بيه كأنهم بيشوفوه لأول مرة فى حياتهم ..
و من الأخبار الجميلة السنة دى ان شركة ڤيرچين العالمية عملت حملة دعاية و توعية جميلة جدا فى انجلترا بمناسبة أعياد رأس السنة بكتابة سكريبت الفيلم بالكامل على رصيف خط القطارات اللى بتمتلكه من مدينة لندن إلى مدينة جلاسجو و اللى طوله يبلغ 7.5 كم ، كهدية جميلة لرواد قطاراتها و دعوة لرفع الروح المعنوية و الصحة النفسية و العقلية ..
الطريف ان ال FBI كانت معترضة على الفيلم وقت صدوره و كانت بتعتبره دعاية للشيوعية بسبب تصويره لرجل المال هنرى بوتر على انه الشرير اللى بيمثل الرأسمالية و مساوئها ..
و الطريف كمان ان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كان بيعشق الفيلم ده و دخله السينما كذا مرة وقت عرضه و زعل على فشله فى السينما فى مصر زى ما فشل فى أمريكا و كتب عنه مقال مخصوص سنة 1953 تقريبا بعنوان "قصة أثرت فى حياتى" فى إحدى المجلات الكبرى و لما تولى الحكم كلم الشركة المنتجة بتاعته و طلب نسخة منه مخصوص عشان يعممها و يعرضها فى كل وحدات الجيش عنده ، حاجة جميلة بجد طبعا رغم انى مش عارف فين ال Wonderful life اللى انعكست علينا بعدها ..
چيمى ستيوارت أبدع فى دور چورچ بيلى و قدم واحد من أفضل أداءاته فى مشواره الفنى على الإطلاق ، هو أصلا قبل تصوير الفيلم كان لسه راجع من الحرب العالمية التانية اللى كان مشارك فيها كطيار مقاتل فى القوات الجوية و كان متأثر جدا نفسيا بالحرب طبعا ، بالإضافة إلى انه لما رجع لقى عقده مع الشركة السينمائية و الوكيل بتاعه اتلغى و خلص ، و لما فرانك كابرا عرض عليه الفيلم وافق لأنه كان عايز يبعد عن أفلام الحرب و لأنه كان عايز يشتغل برضو ، و كان باين عليه انه اتأثر بالدور جدا و انه بيمثل جوانب كتير حقيقية فى شخصيته و هو بالفعل كان بيعتبره فيلمه المفضل و أعظم و أهم دور ليه على الإطلاق ..
كمان الفنانة الجميلة "دونا رييد" تألقت فى دور الحبيبة و الزوجة و الأم الرائعة المثالية الجدعة و الأصيلة "مارى" زوجة چورچ و تحس انها كانت طبيعية جدا مش بتمثل خالص .. و الممثل الرائع الكبير "ليونيل باريمور" برضو أبدع فى دور العجوز الغنى البخيل و الجشع "هنرى بوتر" اللى كان بيكره الناس كلها , و قدر يخلده فى أذهاننا بالشكل الأيقونى ده ..
بالإضافة إلى "هنرى تراڤيرس" اللى متعنا بدور "كلارينس" الملاك من الدرجة التانية اللى ماكانش بيعرف يعوم و كان عايز ينجز المهمة و يحصل على الجناحين ، كان بيفكرنى أوى بدور ماجد الكدوانى الجميل و الممتع فى فيلم طير انت ..
الفيلم واخد المركز ال 11 فى قائمة المعهد البريطانى للسينما و رقم 24 فى قائمة IMDB لأعظم الأفلام فى تاريخ السينما بتقييم عام 8.6 و تقييم نقدى 93% على Rotten Tomatoes .. تحفة سينمائية خالدة مليئة باللحظات المؤثرة اللى بتمس القلب فعلا و مليئة برضو بالمتعة و البهجة و الأمل .. ممكن نتفرج عليه و نعتبره كشف حساب للسنة اللى فاتت و طاقة شحن للسنة الجديدة .. و بالتأكيد يستحق المكانة العظيمة اللى وصل لها و ارتباطه بأعياد رأس السنة و انه يكون على رأس قائمة الأولويات فيها بلا منازع.